تداعيات فيروس كورونا على سوق العمل الدولي

د. مهند عبد رشيد
قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية
جامعة جيهان-اربيل

من الواضح جداً حجم التأثير السلبي الكبير الذي شهدته القطاعات الاقتصادية العالمية كافة بسبب تفشي فيروس كورونا والسياسات التي اتخذتها الحكومات كأجراءات للوقاية من خطر انتشار الفيروس على المجتمعات، وما ترتب على ذلك من نتائج كبيرة جداً على سوق العمل في القطاعات المتأثرة.

فوفقاً لتقرير نشره موقع منظمة العمل الدولية، فإنه من المتوقع حدوث تخفيضات كبيرة في الدول العربية (8.1%، أو قرابة 5 ملايين عامل بدوام كامل)، وأوروبا (7.8%، أو 12 مليون عامل بدوام كامل) وآسيا والمحيط الهادئ (7.2%، أو 125 مليون عامل بدوام كامل).

كما يُتوقع حدوث خسائر فادحة بين مختلف فئات الدخل، وبشكل خاص في بلدان الشريحة العليا من الدخل المتوسط (7.0%، 100 مليون عامل بدوام كامل). وهذه الأرقام أعلى بكثير من آثار الأزمة المالية لعام 2008 - 2009.

وفي الولايات المتحدة الامريكية أظهر البيان الصادر عن وزارة العمل الأميركية بواشنطن في اوائل نيسان 2020، فقدان سوق العمل الأميركية 701,000 وظيفة في (آذار) 2020، وهي أسوأ قراءة لبيان الوظائف الشهري خلال 11 عاماً.

ولعل الفئات الاكثر تضرراً من انتشار الفيروس هم الاشخاص الذين يعملون بأجر يومي، او بعقود اجور مقابل العمل، حيث اصبح جميع هؤلاء بلا دخل فضلاً عن عدم امتلاكه مدخرات مالية تساعدهم على تعويض الايام التي لا يعملوا بها، وتزداد مأساة هذه الفئة كلما ازدادت مدة اجراءات حظر التجوال والعمل في البلدان كافة، مما عرض الكثير منهم الى طلب المساعدة الحكومية او المجتمعية، وهو ما حفّز الكثير من الاشخاص الميسورين على تقديم المساعدة لهذه الفئة، الا ان اطالة هذه الازمة سيضع الميسورين ايضاً في قائمة الخطر امام عدم وصول مواردهم المالية.

الاقتصادات الحكومية تتضرر أيضاً.

لم تؤثر ازمة كورونا على القطاعات الاقتصادية فحسب، بل ضربت هذه الازمة الاقتصادات الحكومية بنسبة كبيرة ايضاً، لاسيما الدول ذات الاقتصاد الريعي، فأذا كانت الدول ذات الاقتصادات المتعددة قد تضررت بنسبة كبيرة للغاية جراء توقف الاسواق الدولية عن استقبال بضائعها، فما بالنا في الدول ذات الاقتصاد الاحادي، سيما العراق الذي يعتمد اقتصاده بنسبة تفوق ال85% على صادرات النفط، مما يعني عدم قدرة هذه الحكومات على ان تتعافى اقتصادياً لأشهر طويلة بعد زوال هذه الازمة، وهو ينعكس ايضاً على قدرة الحكومة على الايفاء بألتزاماتها تجاه المواطنين وبالذات الفئات الواقعة تحت خط الفقر.

مستقبل سوق العمل.

بعد ان اغلقت مئات المصانع والشركات ابوابها، ولجوء مئات اخرى الى العمل عن بعد عن طريق الانترنت، يتصدر هنا تساؤل مهم حول التغيرات التي ستطال سوق العمل شكلاً ومضموناً.

فمن المحتمل كثيراً ان تتغير وتيرة الاقتصاد والاعتماد على التكنولوجيا واعادة تشكيل مستقبل سوق العمل، وهو ما يفتح المجال امام هيكلة اماكن العمل واعادة تحديد ادوار الموظفين والتعلم السريع، وهو تحد كبير يواجه الشركات في الوقت الحالي، مما يعني ان هناك تغيرات سوف تحصل على ثقافة الشركات ايضاً قد تقلص الى حد كبير من احتياجها للأيدي العاملة، وامام هذا التحدي الكبير قد يصبح العالم امام ازمة اقتصادية كبيرة تتعلق بتصاعد فئات الاشخاص الواقعين تحت خط الفقر، وهو ما يقوض جهود الامم المتحدة بشكل كبير في تحقيق احد اهم اهدافها الانمائية لعام 2030 فيما يتعلق بالفقر، بينما سيكون على الحكومات جميعاً تقليص الانشطة ذات الاولويات غير المتصدرة امام تحقيق الامن الغذائي لأبناء المجتمع.

وبشكل عام فالعالم بعد ازمة كورونا ليس كما قبله، وهو ما يعني ان امام صناع القرار تحديات كبيرة تتطلب منهم ان يكونوا على قدر هذه الازمة، وإلا سيكون هذا الموقف سبباً في تقويض الامن القومي للدولة.