تحديات الامن القومي في ظل ازمة فايروس كورونا الجديد

د.ايناس ضياء مهدي
قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية
جامعة جيهان-اربيل

بعد تفاقم ازمة فايروس كورونا واستفحال تداعياتها على البيئة السياسية والاقتصادية العالمية قامت العديد من المؤسسات الاكاديمية المختصة بدراسة تاثير واقع الازمة على الامن القومي للدولة .واعتبرت كثير من الدول ان تهديد البيئة الصحية من خلال الفايروس الجديد هي في مقدمة اولوياتها الامنية التي تستدعي وضع الحلول الاستراتيجية لمجابهة الخطر.

فمنذ هجمات 11 ايلول اي قبل 20 سنة تقريبا هيمنت قضية الارهاب على مجمل اهتمامات الدول ولم يكن هناك موضوع امني اكثر خطورة من القضايا الثلاث الرئيسية في اجندة الجهات الامنية وهي:الارهاب والحروب والاختراقات الاليكترونية لمنظومات امن الدولة.

اما اليوم فقد اثرت ازمة الوباء العالمي في تغيير اولويات الدول واهتماماتها في دعم امنها القومي الذي لم يعد امنا سياسيا واقتصاديا فقط وانا اصبح امنا صحيا ضمن نظام اجتماعي متكامل لايعترف بالفوارق الطبقية او المجتمعية كما لم يعرف دولا فقيرة واخرى عظمى .

ان ازمة الوباء العالمي تتفرع الى مجموعة من الازمات الداخلية للدولة وكلها تعتبر مؤثرة بشكل او باخر على الامن القومي ولايمكن للدولة ان تتخذ خطوة في مجال وتصرف النظر عن المجالات الاخرى.ويمكن عرض الازمات التي تنتاب الدولة والتي تؤثر على امنها بسبب الوباء بما ياتي:

اولا: الازمة الاقتصادية : فقد تعددت قنوات التاثير المتضررة بسبب الفايروس حيث ادى الفايروس الى اعاقة الانتاج وعرقلة الامداد واضعاف الطلب العالمي وطال تاثيره اسواق المال العالمية التي شهدت اسوء اداء منذ الازمة المالية في عام 2008 وهناك توقعات بتراجع النمو في الصين رغم محاولاتها الجيدة في تفادي اخطار الفايروس وتوقعات اخرى بحدوث انكماش في اليابان وركود في فرنسا واغلاقا للمناطق الصناعية في شمال ايطاليا وخفضا في اسعار الفائدة الى حدود الصفر في بريطانيا وامريكا.ولكي تتعافى الدول من ازماتها الاقتصادية فهي تحتاج الى نظم اقتصادية جديدة تتكيف مع نوعية الانتاج والاستثمار في ظل الازمة.

ثانيا: الازمة الاجتماعية : لايمكن افتراض ان جميع الفئات الاجتماعية تعيش ذات الوعي في محاربة الوباء .وهذا مااثبتته لنا الايام السابقة فمستوى وعي المواطنين باهمية الصحة واهمية التباعد الاجتماعي لاحتواء الوباء تفاوتت بين دولة واخرى ومنطقة واخرى داخل الدولة الواحدة . فالطبيعة الاجتماعية للبشر وحرصهم على ادامة العلاقات الانسانية في كل الظروف قد طغت على محاربة الفايروس رغم التاكيدات الكبيرة على التباعد الاجتماعي والتزام المنازل وغيرها من المتطلبات التي تحول دون استفحال الوباء.ان حدود الازمة الاجتماعية لم تتوقف عند هذا الحد فقد ادت العزلة الاجتماعية الى تزايد الامراض الاجتماعية المتمثلة بالكئابة والسوداوية والخوف من المجهول والتي لاتقل خطورة عن انتشار الفايروس.

ثالثا: ازمة الثقة بالنظم الصحية : فمنذ فترة ليست بعيدة كنا نثق بشكل كبير في النظام الصحي للدول المتقدمة وبقدرته على ايجاد العلاجات لاصعب المشاكل الصحية فضلا عن امكانياته الرائعة في ادارة المستشفيات ولكن ازمة فايروس كورونا قد اثبتت قصور تلك النظم في التصدي للمرض او حتى الحد من انتشاره . في وقت انتشرت فيه عبارة (مناعة القطيع) التي عبرت عن رغبة الدول المتقدمة في التخلص من كبار السن فيها الذين يشكلون عبئا على اقتصاد دولهم بعد ان كانوا عناصر استثمارية في فترة سابقة .وهذا مايضعف بشكل متزايد ثقة المواطن بالسياسة الصحية للدولة.

رابعا: ازمة انظمة المعلومات الاليكترونية :اذ غيرت الدول المتقدمة من نشاطها المعلوماتي والاستخباراتي الذي كان يتمحور حول الارهاب الى الاهتمام باستقاء المعلومات البيولوجية حول تطور الفايروس ومايمكن ان يؤؤل اليه وماهي العلاجات التي من المحتمل ان تظهر لمعالجة الوباء وبالفعل وجهت الحكومتان البريطانية والامريكية بالتواصل مع شركات التكنلوجيا لتعيين خبراء بايلوجيين الى جانب الخبراء السياسيين والعسكريين لاعداد التقارير الامنية للبلاد بناء على مايردهم من معلومات ورفعها لصناع القرار.

ان مجمل الازمات المذكورة تبين ان الفايروس هو مهدد كبير للامن القومي للدولة وتستدعي ابتكار استراتيجيات ابداعية تختلف في مضامينها عن الاستراتيجيات التقليدية للدول الامر الذي قد يبرز مفاهيم جديدة لشكل النظام العالمي للفترة القادمة.